مدخل القصرية

مدخل القصرية
مدخل القصرية

الجمعة، 4 فبراير 2011

في الفكر الفرنسي المعاصر

أهدي جهدي المتواضع لدكتوري العزيز عبد الكريم العجمي الزياني/ بجامعة الفاتح
للنقد الأدبي الفرنسي ، وللفكر الفرنسي بعامة ،فتنة خاصة ، ومذاق فريد لا يلتبس بغيره من النقود ، في العقل الفرنسي وضوح ورهافة وانصقال ، تمدين لا تيني لا تجده عند أوغاد النقد الأنجلو _ سكسوني ، مهما يكن لهذا الاخير من مزايا ذات لون مغاير . ثمة فجوة ، بل هوة ،تفصل بين شعر الأفلام الفرنسية ( وماذا يكون الفيلم إن لم يكن فكر نقديا مصورا؟) ونثر الافلام البريطانية ، دع عنك فظاظة الافلام الامريكية ،ودين الحياة الثقافية العربية للفكر الفرنسي _ منذ بعثة رفاعة الطهطاوي إلى باريس حتى يومنا هذا _ دين كبير مر بعدة مراحل ،وقامت على دربه صوى بها يهتدي السائر ويسترشد الحائر ، من ذا الذي يستطيع ترجمة عادل زعيتر لكتاب أناتول فرانس( حديقة أبيقور) أو ترجمة عبد الحميد الدواخلي ل(فولتير) لأندريه موروا ،أو ترجمة محمد مندور ل( دفاع عن الأدب ) لديهاميل ،أو ترجمة محمد غنيمي هلال ل ( ما الأدب؟) لسارتر أو ترجمة محمد القصاص ومحمود قاسم ل( تاريخ الأدب الفرنسي) للانسوان،أو ترجمة مصطفى ماهر ل( مدخل إلى الأدب) لإميل فاجيه، أو ترجمة إدوار الخراط لكتاب فرنسيس جانسون ( سيمون دوبوفوار أو مشروع الحياة )؟ لك أن تضيف إلى هذه القائمة أسماء أخرى _ مثل جيد وفاليرى ومورياك وكامو _ وستجد نفسك في معرض حافل ومجلى نفيس من البراعة النقدية ، والرشاقة الفكرية التي تتخطر تخطر اللاعب الماهر فوق أسلاك السيرك وأحباله ،والتلاعب الحر للذكاء ،إذ يجيل لديه في كافة القضايا المطروحة مستكشفا ومرتادا،بلا كف ولا تهيب ، كانت باريس في العقود الأولى من القرن العشرين هى _ولامشاحة _ عاصمة الثقافة الأوروبية ،إليها ترنو الأبصار وتشرب الأعناق، وبها يلوذ فنانون من جنسيات أخرى أخرى مثل رلكه الألماني ، وباوند  وهمنجواى وجرترود ستاين وإليوت وهنري مللر من تلك القرة نصف المتوحشة،أمريكا .
لهذا نرحب بكتاب صدر في عام 1998 تحت عنوان ( نماذج من الفكر الفرنسي المعاصر ( دار الثقافة للنشر والتوزيع ) لنخبة من الكتاب . وترجمة الدكتور كاميليا صبحي ، مدرس الأدب الفرنسي بكلية الألسن، واصبح بعدها أستاذ والملحق الثقافي لجمهورية مصر العربية في باريس، مع مقدمة للدكتور وائل غالى .سبق أن نشرت أغلب مقالات الكتاب خلال عقد التسعينات على صفحات مجلة (القاهرة ) حين كان يحررها الناقد الراحل الدكتور غالي شكري ، وهاهي ذي تجتمع الآن على صفحات مجلد من أربعمائة صفحة ونيف فتتيح لمن لايقدرون على قرأة بالفرنسية ـ مثلي ـ إطلالة على عالم خصيب بالأفكار ، موار بالخلافات ، مصطرع الاجتهادات ، مضيئ الاستبصارات .
الفصل الأول من الكتاب (( الجنس والوجود )) يضم مجموعة مقالات نشرتها مجلة (( لي لاتر فرانسيز)) ( الآداب الفرنسية ) تناقش إشكالية الجنس في العالم الغربي ،وتطرح أسئلة من نوع ،كيف كانت الحالة العقلية والنفسية لمفكرين وفنانين بارزين مثل فوكو والماركيزي دي ساد وبودير وغيرهم ؟هل الدعوة الجنسية هى الاباحية ؟وهل الأدب المكشوف أدب أباحي ؟(سبق أن عالج الروائى الانجليزي د.ه لورنس بعض هذه القضايا في كتاباته النقدية في العشرينات ، وإن لم ينشر بعضها إلا بعد وفاته في 1930). هنا يناقش الكتاب الحب والرغبة ، والرسومات الجنسية ، والموقف الكلبي من الجنس (كان ديوجين الأغريقي يستمنى في ميدان عام على الملأ دون حرج ! .
أما الفصل الثاني ((ديكارت فارس العقل )) فيضم مقالات عن أبي الفلسفة الحديثة بمناسبة المئوية الرابعة لميلاده ( ولد في 1596). يحمل أحد الاقسام عنوانا يقول ديكارت عالم الرياضيات كبير ضل طريقه الى الفلسفة )) وربما كان هذا أجدر بأن يقال عن غريم ديكارت وقرينه : بسكال ( يلاحظ جان يوري ـ بحق أن علاقة هذين الرجلين أشبه بعلاقة كيرجارد بهيجل ). ويتناول الكتاب علم الأخلاق الدركارتي ،وفكره الاقتصادى، ومفهوم البدن عنده من حيث هو امتداد مكاني ،والزمن بوصفه مجالا،ومجلي للحرية في فلسفته .وثمة قسم يحمل على شئ فعلي مركب نقص،كقولهم إن ابن النفيس سبق الطبيب الانجليزي هارفي ألى اكتشاف الدورة الدموية ،وان ابن الهيثم سبق نيوتن الى دراسة البصريات .او أن ملاحين عربا سبقوا كولمبس الى اكتشاف أمريكا ،أو أن ان الغزالى سبق هموم ألى سبق هيوم إلى مفهوم السببية .وكل هذا هراء ،ولو كان القائل بآخر دعوى فيه هو زكي نجيب محمود .وينتهى الفصل بدراسة لمواقف ديكارت السياسية .
أما الفصل الثالث (مفكرو القرن العشرين ) فيتناول فيليب سوليرس تحت عنوان مولييري:(الثائر رغم أنفه) وجيل دولوز الذي وضع حدا لحياته من عمر يناهز السبعين فأسترح وأراح (هذا رأيى لا أرى الكتاب ) ،والفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناص،ةالفيلسوف الروسي المولد جانكليفيتش،وريمون آرون (وهو مفكر يميني)وبول ريكور،واستعراضا لقضية العلم بين اللامعقول والمنطقية الصارمة ،وثمة قسم عن فيلسوفالنمساوى المولد (ماأشد أختلاط الانساب والأعراق في هذا الكتاب !)كارل بوربر صاحب (منطق الاكتشاف العلمي والمجتمع المفتوح وأعداؤه وجدب النزعة التاريخية وهو الرجل الذي وجه ضربات مصمية إلى الوضعية المنطقية ،والفاشية ،والنازية ،والشيوعية .ووقف في مواجهة عمالقة من قامة أفلاطون وهيجل وماركس،أعظم ممثلى المجتمع المغلق وفي هذا الصدد السفر الجليل للدكتورة يمنى الخولى تلك الأستاذة النابغة عن فلسفة بوبر (وهو في الأصل أطروحة جامعية )وقد صدر في أكثر من خمسمائة صفحة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 1989م .ثم تقدم الدكتورة كاميليا صبحى مقالات عن أزمة الاتصال في العالم الغربي،ومحاولة لإقامة نظرية جمالية للوجود .
والفصل الرابع (نزع الاشتراكية الأخير )يناقش هذه القضية التى ربما كانت أخطر قضايا الفكر السياسي في عصرنا منذ غامر جورباتشوف أو قامر بتحويل مجرى الفكر السياسى والهيكل الاقتصادى والاجتماعى لبلاده ،ويكتب توماس فيرانزي عن مفهوم العدالة عند المفكر الأمريكي جون راولز ، وهو موضوع كتاب صدر في سلسلة (كتاب الهلال ) منذ سنوات لذلك الشاعر المفكر ،أستاذ الفلسفة الدكتور نصار عبد الله ،ويكتب دانييل بن سعيد عن ماركس السابق لزمانه ،كما تقدم المترجمة حوارا حول ماركس، ومناقشةلمفهوم نهاية التاريخ .
أما الفصل الخامس والأخير وهو بمثابة خاتمة تراجيدية جليلة لقرن تراجيدى يعوزه الجلال فيتناول السيرة الذاتية للويس التوسير الذي قتل زوجته إيلين خنقا(محققا بذلك الحلم المكبوت لأزواج لاحصر لهم !) والفصل مؤلم ومكدر بأمانته ،ولكن نزاهة التوسير العقلية وفاء ذهنه إذ يحدق بعينيه في أعماق الهوة ،جديرة بالاحترام وأستخلاص العبر منها .
مآخدى على الكتاب ؟ ثمة أخطاء لغوية وإملائية ومطبعية ينبغي أن تبرأ منها الطبعة الثانية . ولاترسم المترجمة بعض أسماء الاعلام كما ينبغي :ف (( جليليارديل ص(91) هو الفيلسوف الانجليزي جيلبرت رايل ( لعلها حدفت التأء في نهاية أسمه الاول تمشيا مع النطق الفرنسي ) صاحب كتاب
 ( مفهوم العقل ) 1949 .(ووليم بوروج هو الروائى  الأمريكي وليم باروز صاحب (الغداء العاري) والبوهيميى متعاطى المخدرات (لاشك أن وجود حرف الجيم في أسمه هو الذى ضلل المترجمة ،ولكن الحرف هنا صامت لا ينطق) ولماذا تسمى كتاب هيدجر الصرحى (الوجود والزمان ) (وجود وزمن )بصيغة التنكير ص192 فتقلل بذلك دون ان تقصد من جلال أفقه الأنطولوجي وشموله ؟وكتاب نتشه الذي تسميه العلم المسرور ص 102 ربما كان الأفق تسميته مثلما فعل الدكتور فؤاد زكريا وآخرين ب(العلم المرح ) وتحتاج بعض أجزاء الكتاب إلى المزيد من الهوامش لإرشاد غير المتخصص إن أحد الكتاب يذكر مثلا ( التفسير الفرنسي لبسكال للكتاب المقدس في ليلته المشهودة من عام 1654ص 184هنا يحتاج القارئ العادي وبالعادي اعنى غير المتخصص في الفلسفة الى هامش يشرح له أنه في يوم الأتنين الموافق 23نوفمبر عيدالقديس اكليمنوض البابا والشهيد في عام النعمة 1654من منتصف الحادية عشر مساء الى منتصف الواحدة صباحا قد مر بسكال بخبرة دينية وحالة صوفية من حالات الوجد مانت نقطة تحول في حياته وفكره ،سجلها بقوله ( نار إله إبراهيم ) وإله اسحق وإله يعقوب لا إله الفلاسفة والعلماء يقين ،يقين ،فرح ،وسلام ، إله يسوع المسيح إلخ (انظر كتاب نجيب بلدي الممتاز عن بسكال في سلسلة (نوابغ الفكر الغربي ) دار المعارف في الستينات وحقا أن الترجمة تقدم عددا من الهوامش ولكنها ليست كافية لاعددا ولاحجما.
هاهو ذا في الختام إنجاز كاميليا صبحى : انها أحدث حلقة في موروث جليل من أساتذة الأدب الفرنسي يضم الدكاترة سامية أسعد ،وهيام أبو الحسين ،وآمال فريد ،وهدى وصفى وأمينة رشيد ،وهى اكثر اجاها من أغلب هذه الأسماء إلى الفكر الفلسفي ،والنقد الثقافي لا الأدبي فحسب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق